تكلمنا في الجزء الاول عن صعود محمد علي لعرش مصر بذكائه وتودده للمصريين وايضا لمساعدة المناخ انذاك والذي تضمن استبداد المماليك وظلمهم للشعب المصري.
بعد سرد سياسه محمد علي الخارجيه وكيف كان طموحا لابعد الحدود في توسعاته نتكلم في هذا الجزء عن سياسه محمد علي الداخليه وكيف كانت الحياة الاجتماعيه في عصره.
كان محمد علي واقعيا عندما أرسل البعثات لفرنسا واستعان بها وبخبراتها التي إكتسبتها من حروب نابليون . ولم يغلق أبواب مصر بل فتحها علي مصراعيها لكل وافد. وانفتح علي العالم ليجلب خبراته لتطوير مصر. ولأول مرة يصبح التعليم منهجيا. فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش. وأوجد زراعات جديدة كالقطن وبني المصانع واعتني بالري وشيد القناطر الخيرية علي النيل عند فمي فرعي دمياط و رشيد .
لما استطاع محمد علي القضاء علي المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية و زراعية موسعة. وضبط المعاملات المالية والتجارية والادارية والزراعية لأول مرة في تاريخ مصر. وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية وتعقب المتهربين من الضرائب وإلحاق العقاب الرادع بهم. وكانت الأعمال المالية يتولاها الأرمن والصيارفة كانوا من الأقباط والكتبة من الترك .لأن الرسائل كانت بالتركية. وكان حكام الاقاليم واعوانهم يحتكرون حق التزام الاطيان الزراعية وحقوق امتيازات وسائل النقل. فكانوا يمتلكون مراكب النقل الجماعي في النيل والترع يما فيها المعديات. وكان حكام الأقاليم يعيشون في قصور منيفة ولديهم الخدم والحشم والعبيد. وكانوا يتلقون الرشاوي لتعيين المشايخ في البنادر والقري .وكان العبيد الرقيق في قصورهم يعاملون برأفة ورقة . وكانوا يحررونهم من الرق.
ومنهم من أمتلك الأبعاديات وتولي مناصب عليا بالدولة .وكان يطلق عليهم الأغوات المعاتيق. وكانوا بلا عائلات ينتسبون إليها . فكانوا يسمون محمد أغا أو عبد الله أغا. وأصبحوا يشكلون مجتمع الصفوة الأرستقراطية. ويشاركون فيه الأتراك . وفي قصورهم وبيوتهم كانوا يقتنون العبيد والأسلحة . ومنهم من كانوا حكام الأقاليم . وكانوا مع الأعيان المصريين يتقاسمون معهم المنافع المتبادلة ومعظمهم كانوا عاطلين أي بلا عمل. وكثيرون منهم كانوا يتقاضون معاشات من الدولة أو يحصلون علي أموال من اطيان الإلتزام. وكانوا يعيشون عيشة مرفهة وسط أغلبية محدودة أو معدومة الدخل .
كان محمد علي ينظر لمصر علي أنها أبعديته .فلقد أصدر مرسوما لأحد حكام الأقليم جاء فيه : البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ماعليها من البقايا او الاموال يضبط مشايخها ويرسلون للومان (السجن). والتنبيه علي النظار بذلك . وليكن معلوما لكم ولهم أن مالي لايضيع منه شيء بل آخذه من عيونهم .وكان التجار الأجانب ولاسيما اليونانيين والشوام واليهود يحتكرون المحاصيل ويمارسون التجارة بمصر .وكانوا يشاركون الفلاحين في مواشيهم. وكان مشايخ الناحية يعاونونهم علي عقد مثل هذه الصفقات وضمان الفلاحين . وكانت عقود المشاركة بين التجار والفلاحين توثق في المحاكم الشرعية. وكان الصيارفة في كل ناحية يعملون لحساب هؤلاء التجار لتأمين حقوقهم لدي الفلاحين .
لهذا كان التجار يضمنون الصيارفة عند تعيينهم لدي السلطات. ولا سيما في المناطق التي كانوا يتعاملون فيها مع الفلاحين . وكان التجار يقرضون الفلاحين الأموال قبل جني المحاصيل مقابل إحتكارهم لشراء محاصيلهم. وكان الفلاحون يسددون ديونهم من هذه المحاصيل. وكان التجار ليس لهم حق ممارسة التجارة إلا بإذن من الحكومة للحصول علي حق هذا الإمتياز لمدة عام ، يسدد عنه الأموال التي تقدرها السلطات وتدفع مقدما .
لايغادرونها أو يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة .وكان الفلاحون يهربون من السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة او من الجهادية. وكان من بين الفارين المشايخ بالقري . لأنهم كانوا غير قادرين علي تسديد مديونية الحكومة. ورغم وعود محمد علي إلا أن الآلاف فروا للقري المجاورة او لاذوا لدي العربان البدو أوبالمدن الكبري . وهذا ماجعل محمد علي يصدر مرسوما جاء فيه : بأن علي المتسحبين ( الفارين أو المتسربين) العودة لقراهم في شهر رمضان 1251 هـ - 1835 م. وإلا أعدموا بعدها بالصلب كل علي باب داره أو دواره. وفي سنة 1845 أصدر ديوان المالية لائحة الأنفار المتسحبين. هددت فيها مشايخ البلاد بالقري لتهاونهم وأمرت جهات الضبطية بضبطهم ومن يتقاعس عن ضبطهم سيعاقب عقابا جسيما.
الزراعة : كانت السياسة العامة لحكومة محمد علي تطبيق سياسة الإحتكار وكان علي الفلاحين تقديم محاصيلهم ومصنوعاتهم بالكامل لشون الحكومة بكل ناحية وبالأسعار التي تحددها الحكومة .
وكان ضمن سياسة محمد علي لاحتكار الزراعة تحديد نوع زراعة المحاصيل والأقاليم التي تزرعها. وكان قد جلب زراعة القطن والسمسم. وكان محمد علي يحدد أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزما بها الفلاحون .وكان التجار ملتزمين أيضا بأسعار بيعها. ومن كان يخالف التسعيرة يسجن مؤبد أو يعدم.
و أرسل لحكام الأقاليم أمرا جاء فيه (من الآن فصاعدا من تجاسر علي زيادة الأسعارعليكم حالا تربطوه وترسلوه لنا لأجل مجازاته بالإعدام لعدم تعطيل أسباب عباد الله). وكانت الدولة تختم الأقمشة حتي لايقوم آخرون بنسجها سرا .وكان البصاصون يجوبون الأسواق للتفتيش وضبط المخالفين. وكان محمد علي يتلاعب في الغلال وكان يصدرها لأوربا لتحقيق دخلا أعلي. وكان يخفض كمياتها في مصر والآستانة رغم الحظر الذي فرضه عليه السلطان بعدم خروج الغلال خارج الإمبراطورية.
وقد انقسمت الصناعات الجديدة التى أدخلها محمد على باشا إلى مصر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : هو الصناعات التجهيزية وتمثلت فى صناعة آلات حلج وكبس القطن وفى مضارب الأرز ومصانع تجهيزه ، وتجهيز النيلة للصباغة ، ومعاصر الزيوت ومصانع لتصنيع المواد الكيماوية كما قام محمد على باستبدال الطرق البدائية فى الصناعة وإدخال بدلا منه الآلات سواء الميكانيكية أو التى تدار بالبخار والمكابس.
القسم الثاني : وهى الصناعات التحويلية وهى الصناعات المتعلقة بالغزل والنسيج بكافة أنواعه .
القسم الثالث : هو الصناعات الحربية وقد بدأ محمد على باشا فيها بعد قيام الحرب الوهابية سنة 1811 - 1819م حيث أسس أول ترسانة أو دار للصناعة بالقلعة - ورش باب العزب - ليكون على أحدث النظم الأوربية فى ذلك الوقت لتتوالى المصانع الحربية بعد ذلك بأنحاء مصر.
وتبني محمد علي السياسة التصنيعية لكثير من الصناعات . فقد أقام مصانع للنسيج ومعاصر الزيوت ومصانع الحصير. وكانت هذه الصناعة منتشرة في القري إلا أن محمد علي إحتكرها وقضي علي هذه الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الإحتكار وقتها. وأصبح العمال يعملون في مصانع الباشا. لكن الحكومة كانت تشتري غزل الكتان من الأهالي.
وكانت هذه المصانع الجديدة يتولي إدارتها يهود وأقباط وأرمن. ثم لجأ محمد علي لإعطاء حق إمتياز إدارة هذه المصانع للشوام . لكن كانت المنسوجات تباع في وكالاته ( كالقطاع العام حاليا ). وكان الفلاحون يعملون عنوة وبالسخرة في هذه المصانع. فكانوا يفرون وبقبض عليهم الشرطة ويعيدونهم للمصانع ثانية. وكانوا يحجزونهم في سجون داخل المصانع حتي لايفروا. وكانت أجورهم متدنية للغاية وتخصم منها الضرائب. وتجند الفتيات ليعملن في هذه المصانع وكن يهربن أيضا.
التعــلـيــم: اهتم محمد على باشا بالتعليم بمصر بمختلف أنواعه قام محمد على باشا بوضع أولي لبنات التعليم فى مصر على الرغم مما لاقاه من صعوبات بالغة تمثلت فى المعارضة الشديدة من الأتراك من ناحية ومن التخلف والجهل الذى كان يسود مصر من ناحية أخري نظرا لكثرة الفتن والخلافات والصراعات بين المماليك والأتراك ومن هنا بدأ فى نشر المدارس المختلفة لتعليم أبناء الشعب المصرى ومنها المدارس الحربية مثل مدرسة السواري أو الفرسان بالجيزة مدرسة المدفعية بطره مجمع مدارس الخانكة ، مدارس الموسيقي العسكرية وغيرها من المدارس ، أيضا كان هناك العديد من المدارس الأخري مثل مدرسة الألسن ومدرسة الولادة ومدرسة الطب أو مدرسة القصر العيني ومدرسة الطب البيطري ومدرسة الزراعة وغيرها من المدارس .
العمــــــارة : العمارة التى تميزت بطرز جديدة وافدة على مصر كان أغلبها أوربي نظرا لاستقدام محمد للعديد من المهندسين والعمال لبناء العديد من العمائر سواء الدينية أو المدنية أو الحربية فبدأ فى الظهور أنماط تركية وألبانية وأوربية نتيجة لتوافد هذه العناصر على مصر فى القرن التاسع عشر الميلادي على العمارة والفنون فعرف هذا الطراز فى كتب المؤرخين باسم "الطراز الرومي "
أصبح يوجد لائحة للتنظيم حيث فتحت الحارات والدروب والسكك وسهل المرور بها أصبح الناس بمصر يتبعون فى مبانيهم الطرز المعمارية الحديثة كما انتدب محمد على باشا المهندسين وملاحظي المباني ليطوفوا بالمدن للكشف عن المساكن والدور القديمة ويأمروا أصحابها بهدمها وتعميرها فإن عجزوا أمورا بإخلائها ولتقوم الحكومة بترميمها على نفقتها الخاصة لتكون بعد ذلك من أملاك الدولة.